اليكم الفضيلة و الرذيلة لاحمد امين
ألست ترى معي أن الرجل الملتزم للأخلاق المتشدد فيها أقل الناس أصدقاء و أشد الناس وحشة ، و كلما اشتد في تزمته اشتد الناس في كراهيته ؟ و أن الرجل كلما سما عقله بعد عن الناس و بعدوا عنه ، و أنهم قد يجلونه و لكن لا يحبونه ، لأن سموه إعلان لضعفهم , و علوه رمز لضعتهم ؟
و لعل كثيرا من صفحات التاريخ المملوءة باضطهاد العظماء ، و قتل النبغاء ، و اغتيال الأبطال ، تستر وراءها هذا السر الكامن الخطير ، و هو أن الاضطهاد و القتل و الاغتيال كان سببه الخفي شعور المدبرين بضعتهم أمام هؤلاء العظماء ، فتخلصوا من الشعور بالضعة بالقضاء على من كانوا سببه فلما انمحوا من الوجود كان لا بأس عند من قتلوهم أن يمجدوهم ، و أن تمجدهم القرون بعدهم لأن الحقيقة الواقعة أشد إشعارا بالضعة من الذكرى الماضية .
و بعد فلا يستطيع الناس أن يتغلبوا على هذه الرذيلة ، و أن يجلس عالمهم إلى من هو أعلم منه ، و فنانهم إلى من هو أفن منه ، و فاضلهم إلى من هو أفضل منه ، يستفيد منه و يأخذ عنه من غير حقد و لا ضغن ، إلا بكثير من مجاهدة النفس ، و هيهات ثم هيهات .